سجال بين الشّيخ محمّد بن موسى الشّريف و بين السّفير التّونسي في الكويت حول الإسلام في تونس إثر مقال كتبه الشّيخ بعنوان: أيّام في تونس
د.محمد بن موسى الشّريف
زرت تونس سنة 1415ه - 1995م للمشاركة في معرض الكتاب، ومكثت فيها خمسة أيام، ولا أكتمكم سراً أني قد ضاق صدري منذ نزولي بها، وتمنيت أني كنت قادراً على التبكير في مغادرتها، لولا أنه لم تكن هناك رحلة إلى المملكة إلا بعد خمسة أيام.
فمنذ أن وطئت قدماي تونس وجدت المضايقات الكثيرة، فقد ذهبت زوجي الكريمة أم علي بسمة بدوي معي، وكانت كعادتها حفظها الله ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل، فلما جئنا إلى الجوازات أشار موظف الجوازات لها حتى تكشف وجهها بطريقة مهينة واستفزازية، فرفضت لسوء تعامله، وطلبت امرأة لتراها، وجرى بيننا توتر واشتداد خففه حسن تعامل مسؤوله وتجاوزه عن رؤية الوجه، فولجنا إلى البلد، ونزلنا في فندق إفريقيا في وسط العاصمة وهو فندق جيد ذو نجوم أربعة أو خمسة لا أذكر الآن، فطلبت من العاملين في الفندق الإشارة إلى القبلة، فصار بعضهم يحيل على بعض ثم أعلنوا العجز، وأنهم لا يعرفون اتجاه القبلة!! وهذا عجيب لأن فقد معرفة القبلة أمر نادر في فنادق عواصم بلاد الإسلام، فكيف بتونس مهد الإسلام قروناً طويلة وهي بلاد الزيتونة التي أخرجت أفذاذ العلماء!
قلّة المساجد
وأصدقكم القول فقد مكثت خمسة أيام لم أسمع فيها أذاناً، وهذا يدل على قلة المساجد وتباعدها وضعف مكبرات صوتها، وحضرت خطبة الجمعة فوجدتها مملة ضعيفة مقروءة بالكامل، وعرفت بعد ذلك أن الخطبة واحدة تملى على الإمام من قبل الوزارة، وتُقرأ بنصها في جميع المساجد، ولقد علمت بأن الجمعة عندهم تقام في وقتين: في أول الوقت وفي آخره في كل مسجد، وهذه بدعة منكرة، وحجتهم في هذا هي المحافظة على الإنتاج، وهذا منهم عجيب، فتونس من أضعف البلاد العربية في الإنتاج بأنواعه، لكنه الهوى والضلال نسأل الله العافية.
صفان من النّاظرين
ثم إني ذهبت إلى البلدة القديمة أريد الزيتونة، وكنت بلباسي العربي وزوجي بحجابها الكامل، فصرت وزوجي غرضاًً للناظرين، وصرت أمشي بين صفين من الناس ينظرون إلينا متعجبين، فعلمت أن القوم لم يعتادوا على هذا؛ خاصة أني لم أر امرأة واحدة متحجبة طيلة مكثي في العاصمة ودوراني فيها خمسة أيام زرت فيها قلب العاصمة القديم، ومعرض الكتاب، والأسواق وغيرها، وأفلح أعوان الشيطان في قلع الحجاب آنذاك، لكن الأخبار القادمة من تونس اليوم مبشرة بعودة الحجاب، رغم أنف الكارهين الضالين، وذلك بفضل الله تعالى أولاً وآخراً، ثم بفضل الجهود التي قامت بها القنوات الفضائية ومشايخها ودعاتها، ولله الحمد.
وذهبت إلى مشتل لأشتري بعض أشجار الحمضيات، فلما رآني صاحب المحل بلباسي ورأى زوجي هش إلينا وبش، وقال مشيراً إلى امرأة عنده: هذه بنتي، وقد اعتمرت أربع مرات، فقلت هذا حسن، وأين الحجاب؟! فقال: "هذا أمر صعب لا تكلمني فيه"!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد قال لي العارفون ببواطن الأمور إنه لا يمكن لك أن تتجول أنت وزوجك على هذه الهيئة في تونس لولا أنك أجنبي!!
جامع الزيتونة مغلق!!
ثم أردت الذهاب إلى جامع الزيتونة وقت صلاة الظهر فوجدته مغلقاً!! وقالوا: إن المساجد يتناوب فتحها!! ودلوني على مسجد قديم آخر في آخر السوق فذهبت إليه فوجدته مظلماً، فسألت القيم الجالس على مدخله: متى إقامة الصلاة؟ فقال: بعد قليل، فصليت ركعتين، ثم وجدت أن الناس يدخلون أرسالاً فيصلون فرادى ويخرجون فعدت لسؤال القيّم: متى تقام الصلاة؟، فقال: قريباً، فانتظرت حتى أدركت أنه لن يكون هناك جماعة، فطلبت من زوجي أن تقف خلفي وأقمت الصلاة في المسجد أداءً للجماعة، ولو كنت أنا وزوجي فقط!! وكل هذا يدلكم على مدى التهاون في الصلاة وشأنها.
ومن الطرائف أني كنت قد تعرفت على أخ من تونس، وذلك لما كنت في "تولوز" لدراسة طائرة "الإيرباص" في فرنسا، ومر على ذلك أكثر من أحد عشر عاماً لا أدري عنه شيئاً، فخمنت أنه عاد إلى تونس فاتصلت بالمقسم "السنترال" وطلبت رقم هاتفه فأعطانيه، واتصلت به فردت زوجه، فلما عرفتني ذهلت المرأة، وكررت اسمي مراراً متعجبة، ثم سألتني عن زوجي فقلت: هي معي، فقالت: امكثا مكانكما وسأمر عليكما مع زوجي بعد قليل، فمكثت خمسة أيام لم يأتني فيها أحد، فعلمت أن الرجل أعقل منها، وأنه رأى أن صلته بي ستكلفه كثيراً!
استهداف الإسلاميّين
وجاءهم رئيس ألمانيا الشرقية زائراً في أواخر أيام ألمانيا الشرقية، وصادف أني كنت عائداً من معرض الكتاب إلى الفندق، فإذا بهم يحتفلون به في الشارع الذي فيه الفندق، فرأيت ما جرحني، وأثّر في نفسي إذ إنهم بالغوا في الاحتفاء به، ونثرت عليه الفتيات الورود، والذي جرحني هو أن الإسلام محاصر كما قرأتم محاصرة محكمة، والمسلمون العاملون مستهدفون وهم في السجون أو في المنافي أو في القبور!! ثم هم يحتفلون به هذا الاحتفال!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
حكومة ظالمة
هذه بعض التأملات مما رأيته في رحلتي إلى تونس، وهي كما ترونها تتشح بالسواد، لكن نحن نعتقد أن الله تعالى ناصر دينه، وأن هذه الحكومة الظالمة لنفسها ولدينها قريب زوالها، وأن الفجر قادم، والأمل لائح باسم، والله غالب على أمره، وناصر دينه مهما كره ذلك الكارهون، أو حارب ذلك السياسيون الضالون!!
واليوم قد انفجرت في وجوه المتحكمين الظالمين بوادر صحوة بفضل الله تعالى، ستؤتي أكلها، وتستوي على سوقها، وسيكون لها أثرها إن شاء الله تعالى.
المصدر: مجلة "المجتمع" (أسبوعية – الكويت)، العدد 1744 بتاريخ 24 مارس 2007
الرابط: http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=218994
د.محمد بن موسى الشّريف
زرت تونس سنة 1415ه - 1995م للمشاركة في معرض الكتاب، ومكثت فيها خمسة أيام، ولا أكتمكم سراً أني قد ضاق صدري منذ نزولي بها، وتمنيت أني كنت قادراً على التبكير في مغادرتها، لولا أنه لم تكن هناك رحلة إلى المملكة إلا بعد خمسة أيام.
فمنذ أن وطئت قدماي تونس وجدت المضايقات الكثيرة، فقد ذهبت زوجي الكريمة أم علي بسمة بدوي معي، وكانت كعادتها حفظها الله ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل، فلما جئنا إلى الجوازات أشار موظف الجوازات لها حتى تكشف وجهها بطريقة مهينة واستفزازية، فرفضت لسوء تعامله، وطلبت امرأة لتراها، وجرى بيننا توتر واشتداد خففه حسن تعامل مسؤوله وتجاوزه عن رؤية الوجه، فولجنا إلى البلد، ونزلنا في فندق إفريقيا في وسط العاصمة وهو فندق جيد ذو نجوم أربعة أو خمسة لا أذكر الآن، فطلبت من العاملين في الفندق الإشارة إلى القبلة، فصار بعضهم يحيل على بعض ثم أعلنوا العجز، وأنهم لا يعرفون اتجاه القبلة!! وهذا عجيب لأن فقد معرفة القبلة أمر نادر في فنادق عواصم بلاد الإسلام، فكيف بتونس مهد الإسلام قروناً طويلة وهي بلاد الزيتونة التي أخرجت أفذاذ العلماء!
قلّة المساجد
وأصدقكم القول فقد مكثت خمسة أيام لم أسمع فيها أذاناً، وهذا يدل على قلة المساجد وتباعدها وضعف مكبرات صوتها، وحضرت خطبة الجمعة فوجدتها مملة ضعيفة مقروءة بالكامل، وعرفت بعد ذلك أن الخطبة واحدة تملى على الإمام من قبل الوزارة، وتُقرأ بنصها في جميع المساجد، ولقد علمت بأن الجمعة عندهم تقام في وقتين: في أول الوقت وفي آخره في كل مسجد، وهذه بدعة منكرة، وحجتهم في هذا هي المحافظة على الإنتاج، وهذا منهم عجيب، فتونس من أضعف البلاد العربية في الإنتاج بأنواعه، لكنه الهوى والضلال نسأل الله العافية.
صفان من النّاظرين
ثم إني ذهبت إلى البلدة القديمة أريد الزيتونة، وكنت بلباسي العربي وزوجي بحجابها الكامل، فصرت وزوجي غرضاًً للناظرين، وصرت أمشي بين صفين من الناس ينظرون إلينا متعجبين، فعلمت أن القوم لم يعتادوا على هذا؛ خاصة أني لم أر امرأة واحدة متحجبة طيلة مكثي في العاصمة ودوراني فيها خمسة أيام زرت فيها قلب العاصمة القديم، ومعرض الكتاب، والأسواق وغيرها، وأفلح أعوان الشيطان في قلع الحجاب آنذاك، لكن الأخبار القادمة من تونس اليوم مبشرة بعودة الحجاب، رغم أنف الكارهين الضالين، وذلك بفضل الله تعالى أولاً وآخراً، ثم بفضل الجهود التي قامت بها القنوات الفضائية ومشايخها ودعاتها، ولله الحمد.
وذهبت إلى مشتل لأشتري بعض أشجار الحمضيات، فلما رآني صاحب المحل بلباسي ورأى زوجي هش إلينا وبش، وقال مشيراً إلى امرأة عنده: هذه بنتي، وقد اعتمرت أربع مرات، فقلت هذا حسن، وأين الحجاب؟! فقال: "هذا أمر صعب لا تكلمني فيه"!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد قال لي العارفون ببواطن الأمور إنه لا يمكن لك أن تتجول أنت وزوجك على هذه الهيئة في تونس لولا أنك أجنبي!!
جامع الزيتونة مغلق!!
ثم أردت الذهاب إلى جامع الزيتونة وقت صلاة الظهر فوجدته مغلقاً!! وقالوا: إن المساجد يتناوب فتحها!! ودلوني على مسجد قديم آخر في آخر السوق فذهبت إليه فوجدته مظلماً، فسألت القيم الجالس على مدخله: متى إقامة الصلاة؟ فقال: بعد قليل، فصليت ركعتين، ثم وجدت أن الناس يدخلون أرسالاً فيصلون فرادى ويخرجون فعدت لسؤال القيّم: متى تقام الصلاة؟، فقال: قريباً، فانتظرت حتى أدركت أنه لن يكون هناك جماعة، فطلبت من زوجي أن تقف خلفي وأقمت الصلاة في المسجد أداءً للجماعة، ولو كنت أنا وزوجي فقط!! وكل هذا يدلكم على مدى التهاون في الصلاة وشأنها.
ومن الطرائف أني كنت قد تعرفت على أخ من تونس، وذلك لما كنت في "تولوز" لدراسة طائرة "الإيرباص" في فرنسا، ومر على ذلك أكثر من أحد عشر عاماً لا أدري عنه شيئاً، فخمنت أنه عاد إلى تونس فاتصلت بالمقسم "السنترال" وطلبت رقم هاتفه فأعطانيه، واتصلت به فردت زوجه، فلما عرفتني ذهلت المرأة، وكررت اسمي مراراً متعجبة، ثم سألتني عن زوجي فقلت: هي معي، فقالت: امكثا مكانكما وسأمر عليكما مع زوجي بعد قليل، فمكثت خمسة أيام لم يأتني فيها أحد، فعلمت أن الرجل أعقل منها، وأنه رأى أن صلته بي ستكلفه كثيراً!
استهداف الإسلاميّين
وجاءهم رئيس ألمانيا الشرقية زائراً في أواخر أيام ألمانيا الشرقية، وصادف أني كنت عائداً من معرض الكتاب إلى الفندق، فإذا بهم يحتفلون به في الشارع الذي فيه الفندق، فرأيت ما جرحني، وأثّر في نفسي إذ إنهم بالغوا في الاحتفاء به، ونثرت عليه الفتيات الورود، والذي جرحني هو أن الإسلام محاصر كما قرأتم محاصرة محكمة، والمسلمون العاملون مستهدفون وهم في السجون أو في المنافي أو في القبور!! ثم هم يحتفلون به هذا الاحتفال!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
حكومة ظالمة
هذه بعض التأملات مما رأيته في رحلتي إلى تونس، وهي كما ترونها تتشح بالسواد، لكن نحن نعتقد أن الله تعالى ناصر دينه، وأن هذه الحكومة الظالمة لنفسها ولدينها قريب زوالها، وأن الفجر قادم، والأمل لائح باسم، والله غالب على أمره، وناصر دينه مهما كره ذلك الكارهون، أو حارب ذلك السياسيون الضالون!!
واليوم قد انفجرت في وجوه المتحكمين الظالمين بوادر صحوة بفضل الله تعالى، ستؤتي أكلها، وتستوي على سوقها، وسيكون لها أثرها إن شاء الله تعالى.
المصدر: مجلة "المجتمع" (أسبوعية – الكويت)، العدد 1744 بتاريخ 24 مارس 2007
الرابط: http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp?InNewsItemID=218994